Full Start

Friday, February 17, 2006

هنا العراق

جئت للتو من المركز الاسلامي, حيث التقيت بعض الأطفال العراقيين الذين غبت عنهم أكثر من عام كامل. كنا في السابق نتحدث قليلا فقط, حيث كنت أعتبرهم أطفالا ويعتبرونني "جامعيا". أما هذه المرة, فبُعد اللقاء أورث اشتياقا للحديث والتسامر. تحدثنا عن كرة القدم والمنتخبين السعودي والعراقي (وتجادلنا طبعا)... كما عن كرة القدم الأمريكية والبلاي ستيشن وألعاب الانترنت.

سألتهم بعض الأسئلة العامة عن العراق أختبر بها معرفتهم بوطنهم الأم... فاذا بنا نناقش سلسلة من القضايا والأحداث, ونتبادل الأحاديث والآراء في كل ما يهم أي مواطن عربي. رغم بعدهم عن وطنهم- وهم لم يعيشوا فيه- ورغم صغر سنهم وابتعاد أقرانهم الامريكان عن مثل هذه الاهتمامات, وجدتهم مرتبطين بكل ما يرتبط به المواطن العربي, وفي ذات الوقت متمتعين بطريقة حياتهم الأمريكية.

تحدثنا عن الارهاب في العراق والعملية الديمقراطية, عن حقوق الأقليات الدينية والعرقية في الوطن العربي, وعن الاحتاجاجات على الرسوم المسيئة للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). بل وتحدثنا عن المنشد البريطاني يوسف اسلام والمغني الشاب خالد وغيرهم. وخضنا في ما يخوض فيه الشيعة العرب من اعجاب برادود معين أو استياء من رادود آخر.

خرجت من المركز وانا أفكر في آبائهم وأمهاتهم الذين ربوهم فأحسنوا تربيتهم على الأخلاق الاسلامية والعادات العربية, وزرعوا في نفوسهم حب الوطن الأم وعشق اللغة الخالدة, ثم لم يحجبوهم عن مجتمعهم الغربي والقيم الحسنة فيه. وخرجت وأنا أفكر أيضا في التطور التكنولوجي والتطور العلمي الذي صنعه الغرب... فلولا الانترنت والأطباق الفضائية صعب على أهاليهم تربيتهم بالطريقة التي رغبوها, وتعسّر على الأبناء الانشداد الى ثقافة اخرى لم يعيشوها.

هنا العراق... في قلب أمريكا!

Saturday, February 11, 2006

تجري الأيام

بعد طول غياب, يتغير علينا الأحباب. الذين تركناهم صغارا نناغيهم... نرجع فنجدهم أطفال أشقياء نشكوهم. والشباب الذين ألفناهم مرحين متهورين, نعود فنجدهم خاطبين مسؤولين. نتغير نحن ويتغير من حولنا ,ومن يبعد عنا, مع تغير ظروفنا وتمدد المكان بيننا. كما وأنّا جميعا نتطور في فكرنا كلما عجنتنا التجارب, فاذا جمعتنا المجالس الحوارية –وماذا نفعل اذا اجتمعنا غير الثرثرة!- تفاجأنا بما يطرحه من ظننا أننا حفظنا آراءه عن غيب.

أحد الرؤساء الأمريكيين قال –ما معناه- أنّ أذكى من يعرفه من الناس, على اختلاف مهنهم وأعمارهم, هو خياطه. فانه كلما دخل عليه جاء الخياط يقيس أطرافه وأطواله مفترضا أن هناك تغييرا. أما باقي من يعرف من الأصدقاء والسياسيين والكتّاب فانهم يقيسون شخصيته مرة, ولا يفترضون من بعدها أنه تغير مهما طال الزمان.

التغيير من سنن الحياة التي أوضحها القرآن, و تغيير الشخصية وتنميتها من أكثر ما اهتم له الاسلام. من يرجع لموروثنا الثقافي الديني يجد وصايا من قبيل: "من كان يومه مثل أمسه فهو مغبون, ومن لم يكن الى زيادة فهو الى نقصان, ومن كان الى نقصان فالموت أولى له". لكن للأسف يبقى بالفعل كثير منا في مثل هذه الحالة من جمود الفكر وانكفاء القدرات, فيتخلفون بكل سنة من عدم التطور ضعفها- بالقياس الى تحرك العالم. من لا يتغير في نفسه, لا يلتفت الى تغير العالم من حوله.

هذه السنن تنطبق على السياسة الخارجية للدول الفاعلة في مناطق العالم, على الشركات الكبرى وسياساتها التسويقية ومخصصاتها للبحوث العلمية, على نشاطات الجامعات والمساجد ونتاجاتها الفكرية, وعلى كل شخص بصفته الأكاديمية أو الوظيفية أو حتى العائلية.

كتب المبدع محمد صادق دياب في صحيفة الشرق الأوسط: "حينما كنا صغارا قررنا أن نتسابق وركضنا, ومن يومها ونحن نركض.. والآن اذا نظر الواحد منا أمامه وجد أن كثيرين قد سبقوه, واذا نظر خلفه وجد أنه قد سبق كثيرين أيضا.. وكأن ما بين الفوز والهزيمة مجرد التفاتة."

مجرد التفاتة... هل نلتفت الى أمتنا فنقرر السباق في ركب العلم والعمل لنغير ما بأنفسنا فيغير الله ما بنا؟