Full Start

Thursday, May 04, 2006

التميز الأكاديمي... في مواقف السيارات!

تفكيرنا يتنوع ويتعدد بحسب تأثير بيئتنا الاجتماعية, دراستنا الأكاديمية, واهمتماماتنا الخارجية ضمن سلسلة طويلة من المؤثرات التي نسيطر على بعضها ونستسلم لبعضها الآخر. ونتيجة لذلك, فان نظرتنا الى الحياة من حولنا تختلف من شخص لأخر. فالمهندس المعماري قطعا لا ينظر الى الدنيا بمثل العين التي ينظر بها مدير التسويق اليها. لو سافر الاثنان ونظرا الى مبنى شاهق, جميل، أنيق, عليه اعلان ضخم لزين الدين زيدان يركل الكرة... ترى... من سيهتم أكثر بتصميم المبنى وهندسته, ومن سينجذب أكثر الى الأعلان وأثره؟ من سيفكر في تكلفة البناء وموارد التصميم, ومن سيخمن تكلفة الاعلان وعدد ناظريه؟

أعتذر أن أبطال المثال ذكور, لأن الاعلان لو كان لتسويق حقيبة نسائية, وكانت الصديقتان مهندسة معمارية والأخرى مسوقة اعلانات, لكان المثال أطول... فهنّ سينظرن أولا الى السيدة حاملة الشنطة يعاينّ صورتها ويدققن في مكياجها وموديل زينتها, ثم سيختلفن في التفكير عن هيئة المبنى أو تسويق الاعلان. لكن كتعويض, فالمثال الثاني بطلته فتاة.

كل منا يجد أن "الدنيا... غير!" ولأن أختي تدرس طب الأسنان, فنظرتها لمواقف السيارات غير نظرة أخي المتابع الدقيق لأنواعها. فأخي يرصد أولا أحب السيارات اليه, ألوانها, فئاتها, وتكلفتها. ثم يجول ببصره باحثا عن أسرع السيارات الموجودة, أكثرها فخامة, وأقلها انتشارا في المدينة. أما أختي, فهي تنظر الى صفوف السيارات أربعة أربعة... اللثتين الفوقية والتحتية, وصفوف الأسنان الفوقية والتحتية. ثم تعاين مناطق الخلل, حيث المواقف خالية, و تحدد نوع الفجوات, التقويم اللازم, وأفضل طرق الاصلاح والمعالجة.

... ويقولون أن تعليم الفتيات قاصر في السعودية عن غيره من البلدان التي تركز على الدراسة داخل الفصل وخارجه! لكن المنصف يلحظ أن فتياتنا اللاتي لا ينشغلن بشيء في الدنيا غير العلم (والموضة) هن أكثر الفتيات دراسة داخل الفصل وخارجه. ماذا تفعل البنت في السعودية اذا لم تدرس؟ لا هي تسوق السيارة فتضيع وقتها في الزحام, لا هي تتوظف بشهادة علوم سياسية أو صحافة فتنشغل عن دراسة الكتب المنهجية بالمتعلقات اليومية بهذين التخصصين, لا هي تستطيع أن تكتب قصة أو رواية من واقع الحياة... والا اتهمت بالفسق والفجور (أو على الأقل بفضح العائلة اذا استخدمت اسمها الحقيقي), ولا هي تستطيع المشاركة بفعالية في اللجان الأهلية. بعض اللجان الأهلية تهتم بمكافحة الفقر, أخرى بالفنون التشكيلية والمسرحية, وغيرها بالأنشطة الطلابية الأكاديمية والخدمية... ومشاركة النساء في هذه الفعاليات شديدة العسر وضيقة الحدود. طالبات طب الأسنان في العالم كله يستطعن اختيارا, وبدعم من الأهل والمجتمع, أن يضعن وقتهن بعيدا عن العلم, الا الطالبة السعودية. من يا ترى, غير الطالبات السعوديات, يستطعن الاستذكار والدراسة بالنظر الى مواقف السيارات... و من غير مقعد السائق؟

هنا في السعودية اذا لم تدرس البنت أو تشغل نفسها بالقراءة الخارجية, يخرج عقلها للتمشي وشراء ورق العنب... ثم لا يعود! لأنه لو عاد, ما استطاع أن يطبق شيئا غير أكل كتب الدراسة!

هنا التميز الأكاديمي الذي تسعى اليه كل فتياتنا يتجلى... بكل صدق, بكل اخلاص, بكل اهتمام, بكل جدية, وبكل نشاط... في مواقف السيارات!

تحية لأخواتنا المتفوقات في الدراسة, المتميزات في المواهب, المتجددات في الأفكار, النهمات في القراءة. عقولكن تتحرك... رغم الحصار!


“Never doubt that a small group of thoughtful, committed citizens can change the world;
indeed, it’s the only thing that ever has.” -Margaret Mead

1 Comments:

  • تحية عطرة لك ...
    أردت فقط ان أسجل إعجابي بالمدونة بشكل عام
    وبهذا المقال بشكل خاص وكبير
    حقاً ان نظرة الناس للحياة تختلف كلٌ حسب تجاربه وخبراته فيها

    واستمري فهناك من يقرأون .

    By Anonymous Anonymous, at 9:00 PM  

Post a Comment

<< Home