Full Start

Thursday, May 11, 2006

الضحية

مر اعصار كاترينا بمدينة نيو أورلينز, فلم تعد كما كانت. خمس ساعات من قوة الطبيعة صنعت دمارا لا يحسّن في خمس سنين. لكن روح المدينة لا زالت حية, عشاقها لا يزالون ملتزمين باعادة بنائها, والطلاب في جامعاتها ملتزمون بالمساهمة في ذلك.

كلما أردت أن أكتب عن هذه المدينة التي أعشق... أتراجع. أفكر...ماذا أكتب؟ أكتب عن تأريخ المدينة المتميز, عن روحها الحرّة الفاتنة, عن مبانيها, عن ناسها. أكتب عن أكلها, عن شربها, عن مقاهيها, عن مطاعمها, عن موسيقاها, عن أشجارها, وعن جامعاتها. أفكر في الكتابة عن "الحي الفرنسي", عن "حي البستان", عن ميدان جفرسون, عن كنيسة سانت لويس, وعن المقابر الفريدة في أنحاء المدينة؟ أم أكتب عن نهر المسيسيبي الذي يخترقها, عن بحيرة بونتشارترين وجسرها , وعن مينائ المدينة, وعن مستنقعاتها؟ أم هل أترك ذلك كله وأتحدث عن لويزيانا... ولاية الصاص!

واذا كتبت عن شيء واحد فقط, كالحي (الربع) الفرنسي, فكيف أبدأ وكيف أنتهي؟ أكتب عن السوق الفرنسي, عن دكاكين التحف والآنتيك, وعن الكنيسة؟ أكتب عن مطعم آلباين وعازف الجاز يتوسط فناءه, أم عن الروبيان المطبوخ بطريقة نيوأورلينز والصاص المصنّع في قراها؟ أكتب عن أشهر المقاهي (كافي دو موند) و" البنييه" و"الكافيه أو ليه", أم عن شارع "فرنتشمن" و "ماجازين" ومقاهيه؟

هل أشرح أولا الطبيعة الغير طبيعية للمدينة؟ أم أشرع سريعا في نثر ذكرياتي على صفحات الفرح والمرح؟ لكن, هل يفهم أحد اذا زاوجت الحديث بين الروح المجنونة الحرة المحلقة للمدينة, وبين أنشطة الخدمة الاجتماعية المنتشرة بأضعاف عدد عازفي الجاز في المدينة!

أتراجع عن كل ذلك, فلا أحد يفهم معنى نيوأورلينز الا من زارها, ولا يعاين تميزها الا من سار فيها, ولا يتقمص روحها الا من فتح روحه عليها. آه, لو كانت الدموع تكتب أسطرا, لكانت هذه الأسطر أبلغ ما كتبت. لأنني أفكر في الكتابة... وأعجز! كيف أشرح معنى الحب تجاه مدينة وقعت ضحية كل شيء!

قبل اعصار كاترينا, لم تكن مدينة نيوأورلينز وولاية لويزيانا على أفضل حال. فالولاية تنافس على المنصب الأخير من بين جميع ولايات أمريكا في جميع الحقول: انتشار الفقر, استشراء الفساد الاداري, سوء النظام التعليمي, معدلات الجريمة, وجود العنصرية العرقية... ضمن قائمة طويلة لا تنتهي. رغم ذلك, فعشق نيو أورلينز ظل يسري في دماء كل سكانها.

ثم جاءت كاترينا ووقعت المدينة ضحية الطبيعة, ضحية الاعلام, ضحية الادارة الفدرالية الفاشلة. ذهبت المدينة ضحية العنصرية, ضحية الفقر, وضحية الشامتين! اضطرت جميع جامعات المدينة الى قطع معظم برامج الهندسة فيها. وها هم أصدقائي يضطرون للنزوح الى مدن وجامعات أخرى.

آخر الضحايا كان زميل الشقة والغربة... علي "الفضائي". تشردنا سوية بسبب اعصار كاترينا, ولجأنا الى مدينة هيوستن. ثم ما لبثت الأخت ريتا أن جاءت تحيينا, فهربنا منها الى ليتل روك, آركنساس. الا أن تورنيدو ظريف أحب أن يلاحقنا هناك. ثم رجعنا. عدنا. وفرحنا. نظفنا شقتنا والكهرباء مقطوعة عنها. وما ان حلت أول اجازة نهاية الاسبوع (ويكند) حتى خرجنا ضمن 3000 طالب من طلاب المدينة في اكبر حدث خدمة اجتماعية. الطلاب نظفوا شوارع, صبغوا بيوت, هيؤوا مدارس, زينوا حدائق, وساعدوا مرضى لمدة 6 ساعات. ولا يزال طلاب المدينة يعملون. ولا يزال الطلاب من سائر أنحاء أمريكا يصلون الى المدينة ويساهمون في اعادة بنائها بشكل أو بآخر.

ذهبت 3 كراسي ضحية وزن علي وطريقته المضحكة في الجلوس. سافر علي, وليس له أن يعود طالبا الى المدينة, كغيره من مئات طلاب الهندسة الذين قطعت برامجهم. وقع الكثيرون ضحية كاترينا. كان آخرهم علي.

رفيق الفرح والمرح,و البلاهة والنباهة, و الجنون وانواع الفنون... وداعا"!

2 Comments:

  • هلا اخووووووووووووي
    اشلووووووووووووووووووووونك

    شفت بلوووووجك

    ان شاء الله راح احاول اقرا فيه بس لاتنتظر تعليقات لاني بس اقرا

    ادا تعرف بلوجات قطيفية دلنا عليها الله يجزاك خير.. عربية ولا إنجليزية مي مشكلة

    سلااااااااااااام من قطيفي يموت في القطيف

    :)

    اسمح ليي نشرته في بوست قديم
    مخبط ويش اسوي لك

    By Anonymous Anonymous, at 12:18 AM  

  • حطيت كومينت وطالع عندي الكومينت صفر
    مو بس انا المخبط حتى النت

    By Anonymous Anonymous, at 6:02 AM  

Post a Comment

<< Home