Full Start

Sunday, December 25, 2005

مذكرات ساكن كنيسة (4)

مرسيدا, عاصم, أولما, وريالدا

مرسيدا وزوجها عاصم قدما من البوسنة مع طفلتيهما قبل بضعة أعوام. هي مسيحية وهو مسلم, وهنّ لم يقررن. يحتفلن بميلاد المسيح ويحضرن الكنيسة, كما يصمن رمضان ويصلين ويتحجبن فيه. يصر الوالدين أن يتعلما "الثقافتين" المسيحية والاسلامية, والثقافتين الامريكية والبوسنية. كما يهتمان كثيرا بتربيتهما وتعليمها اللغة الأم وأهمية العودة الى البوسنة والمشاركة في بنائها.

كلا الزوجين من عائلة غنية, لكن عاصم يعمل الآن في تصميم الأثاث, ومرسيدا تطبخ في الكنيسة والكل يعرفها. لا يجلس أحد منا من النوم الا اذا علمنا أن فطورها جهز, و نعبر المطبخ نتأمل ما تطبخ للآخرين. في أحد الأيام, جهزت عدة أطباق لامرأة ستسافر بالأكل الى جزر الكاريبي!

مرسيدا تحبني في الليل, ولا تحبني في الصباح! في الليل أكثر السوالف معها عن البوسنة وأوضاعها, وعن ابنتيها وتربيتهما. الأولى, أولما- 17 سنة, احدى المشرفات على مجموعة البنات. حبّوبة, قصيرة, بيضاء, وممتلئة, لكن رياضية. هزمتني في كل مباراة تنس طاولة بيننا. الثانية ريالدا (ريكي- 15) أطول قليلا, سمراء, رشيقة, وأكثر أنوثة من أي فتاة أمريكية.

أولما وريكي متفوقتين في الدراسة, وفي الألعاب. الأولى هي الهدافة الأولى في عمرها في المدينة, والثانية ايضا ظهرت في الصحف المحلية كلاعبة كرة قدم متميزة.

لكن تربية البنتين معقدة قليلا. الأب عاصم تعلم العربية طفلا, ويقرأ القرآن بانتظام. أما الأم فتطبخ في الكنيسة, الكنيسة التي رعت البنتين وأدخلتهما مجانا لمدرسة خاصة تابعة لها, تكاليفها 10 آلاف دولار سنويا. "أهم شيء هو العلم" تقول الأم ذات الشعر الكستنائي والعينين الزرقاوين, "فبالعلم استطعت وزوجي القدوم هنا, وبالعلم سنرجع الى بلادنا".

هم العودة هم مشترك بين مرسيدا وأخريات خرجن من البوسنة... بعضهن رحل الى فرنسا, وأخريات الى ألمانيا وأمريكا وأستراليا وغيرها. في شهر يونيو القادم, ستجتمع الأمهات وأزواجهن في البوسنة, ويعطين الأبناء والبنات فرصة للتعارف في البلد الأصل, لعلهم جميعا يستشعرون أهمية بناء البلد... ولعل البعض يعشق بعضا آخر ويتطلع للقاء في البوسنة مجددا.. كزوجين! أتساءل, كيف هو شعور المشردين من الفلسطينيين في شتى أنحاء الأرض؟

في الصباح, مرسيدا لا تحبني... لأنني أتأخر في الجلوس من النوم, ويداهمني وقت البرنامج فلا أتمكن من الافطار. دائما تخص لي بعض الأكل, ودائما لا آكله. تقول "لو كنت أمك... آااه, لا تأكل أبدا!!".

أعان الله أمي علي, وأعان مرسيدا في تربية ابنتيها أولما وريكي.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home